أين نزار قباني في ذاكرتنا هل نسيناه
مر يوم 30 نيسان ذكرى وفاة الشاعر العربي الكبير والدمشقي الصغير الذي لم تكبر ولم تشيخ طفولته ولا ذكرياته الدمشقية , بقي ذلك الطفل الذي يدس عرائس الزعتر في حقيبته المدرسية بقي صغيرا أمام أحلامه الكبيرة وقيمه الكبيرة وخيباته الكبيرة .
طالما رسم بالشعر جمهوريته ومملكته ووطنه على الورق بعد أن عجز أن يلامس شيئا من أمانيه في أرض الواق
مر على وفاته في لندن في 30/4/1998م عن عمرٍ ناهز الخامسةوالسبعين 12 عاماً, قضى منها أكثر من نصف قرنٍ يبني مملكته الشعرية, يلوم ويتمنى ويسخط ويعرف جيدا من يمتدح ومن ينصف في قصائده , كان حسه الوطني ذو حساسية عالية يدرك بفطرته الشعرية وخبرته السياسية والدبلوماسية معادن الرجال والقادة .على الرغم من تصنيفه أنه شاعر المرأة وشاعر الحب, لكنه كان شاعر الوطن بامتياز وكان أبرع من حاكا الوطن وناجاه سواء في هزيمته أو في نصره ,في محنته أو في بهجته ,كان كل هذا الحب الذي يختلج حروفه ينتمي لوطن ولمدينة عشق ياسمينها ودفء حاراتها وبركة مائها وقاسيونها ومآذنها وكنائسها ولم يترك شيئا من تفاصيلها كما لم يترك شئيا من تفاصيل النساء .كان حاضرا في جميع تفاصيل البلاد ومخاضاتها واستقلالها وحروبها لم يكن شاعر مناسبات بل كان شاعر ينبض في شرايين الوطن وينبض الوطن في شرايينه .على الرغم من عشقه لدمشق مسقط راسه وعلى الرغم من تغلغل ياسمينها في جلده وفي شعره وقصائده لم يبخل نزار في عشقه لمدن عربية ولا حتى عالمية ,كان وفيا لجميع المدن التي مر بها وعاشقا لوطن عربي كبير من القاهرة إلى بيروت ولم يكن يجامل نزار قباني في قصائدة ولا في مواقفه السياسية فلم يوفر دول النفط وامتهان المرأة في مجتمعاتها إلى أن تحول كتابه في تلك الدول إلى ممنوعات يعاقب عليها القانون .
لم يدع موقفا وطنيا يمر دون أن يشارك فيه ولا حدثا يمر دون أن يستوقفه في تاريخ العرب تحدث عن هزائمنا وفضح القادة حين كان ذلك مستوجبا وصرخ , وفقدت ياوطني البكارة سجلت الجريمة ضد مجهول واسدلت الستارة .
وخاطب دمشق يرثيها . حين قال فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا . ...فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا
حبيبتي انت فاستلقي كأغنية ....على ذراعي ولا تستوضحي السببا ...إلى ان يقول اشكو العروبة ام أشكو لك العربا .. أدمت سياط حزيران ظهورهموا ... فأدمنوها وباسوا كف من ضربا .
وكان جنديا في حرب السويس يرسل لوالدة اخبار القتال بعدة رسائل لأنه كان دائما يعرف كيف يجند أشعاره ويدسها في جبهات القتال.
ماتَ الجرادْ
أبتاهُ، ماتتْ كلُّ أسرابِ الجرادْ
لم تبقَ سيّدةٌ، ولا طفلٌ، ولا شيخٌ قعيدْ
في الريفِ، في المدنِ الكبيرةِ، في الصعيدْ
إلا وشاركَ، يا أبي
في حرقِ أسرابِ الجرادْ
في سحقهِ.. في ذبحهِ حتّى الوريدْ
هذي الرسالةُ، يا أبي، من بورسعيدْ
من حيثُ تمتزجُ البطولةُ بالجراحِ وبالحديدْ
من مصنعِ الأبطالِ، أكتبُ يا أبي
من بورسعيدْ..
وكان وحدوي الهوي واللسان وقد رثا عبد الناصر بأجمل الكلام وأمرّه حين قال
قتلناك ياأخرالأ نبياء
قتلناكَ .. ليسَ جديداً علينا
اغتيالُ الصحابةِ والأولياءْ
فكم من رسولٍ قتلنا.. وكم من إمامٍ
ذبحناهُ وهوَ يصلّي صلاةَ العشاءْ
فتاريخُنا كلّهُ محنةٌ .. وأيامُنا كلُّها كربلاء`
نزلتَ علينا كتاباً جميلاً .. ولكننا لا نجيدُ القراءه
وسافرتَ فينا لأرضِ البراءهْ .. ولكننا.. ما قبلنا الرحيل
تركناكَ في شمسِ سيناءَ وحدك .. تكلّمُ ربكَ في الطورِ وحدك
وتعرى.. وتشقى .. وتعطشُ وحدك
ونحنُ هنا نجلسُ القرفصاءْ .. نبيعُ الشعاراتِ للأغبياء
ونحشو الجماهيرَ تبناً وقشاً .. ونتركهم يعلكونَ الهواء
قتلناكَ .. يا جبلَ الكبرياء
نعم هذا هو نزار قباني هذا هو شاعر المرأة الذي انتشرت اشعاره في مخادع النساء في زمن الإنغلاق وغياب الإنعتاق ,هذا هو يحاكي الزعماء والاوطان والقادة ولم تبخل عليه الحياة في رؤية قائد واعد بالنصر قبل نصر الألفين في لبنان وانسحاب اسرائيل لكن كعادته كان حسة الوطني والشعري قادرا على قراءة التاريخ وعلى قراءة الرجال فأرسل رسالته الشهيرة إلى السيد حسن نصرالله عام1996 بعد عناقيد الغضب
يا سيدي .. يا سيد الأحرار
لم يبقَ إلا أنت
في زمن السقوط والدمار
في زمن التراجع الثوري
والتراجع الفكري،
والتراجع القومي
واللصوص والتجار
في زمن الفرار
الكلمات أصبحت
للبيع والإيجار
لم يبقَ إلا انت
تسير فوق الشوك والزجاج
والإخوة الكرام
نائمون فوق البيض كالدجاج
وفي زمان الحرب يهربون كالدجاج
يا سيدي
في مدن الملح التي يسكنها الطاعون والغبار
في مدن الموت التي تخاف أن تزورها الأمطار
لم يبقَ إلا أنت
تزرع في حياتنا النخيل ، والأعناب والأقمار
لم يبقَ إلا أنت .. إلا أنت.. إلا انت
فافتح لنا بوابة النهار
ما أحزنني حقا أنني انتظرت هذا الكم الهائل من المواقع وبحثت في العديد منها فلم اجد الكثير ممن يذكرون هذا الشاعر ويحيون ذكراه وكأنما اصبحنا أوفياء لجحودنا ونكراننا للجميل لكل ما هو جميل في حياتنا .
أن قلمي أصغر من ان يقيم ويصف الشاعر الكبير نزار قباني لكنه يتشرف أن يذكّر به ويحفظ له مكانته وأرثه وهذا أضعف الأقلام
بقلم تيسير نصرالدين
30/04/2010 ميلانو