هل أغير العالم قبل أن أغير نفسي ؟ ( حلقة 1 )

بقلم : عمـــاد بــلان

.. مع أول رشفةٍ من فنجان قهوة الصباح ، رَنَّ جرس الهاتف في مكتَبي قاطِعاً سلسلة أفكارٍ تصول وتجول في رأسي ، رفعتُ السمَّاعة لأستقبل صوتاً غريباً على مسامعي يقول :
- صباح الخير ياسيدي ، أنا مدير المدرسة ، أرجو حضورك عاجلا ً !! إن طفلَكَ يبكي وكأنه يشكو من ألم في مَعِدَتِه !!
- شكراً لكَ أخي الكريم ، سأكون عندكم بعد دقائق .. مع السلامة .

ارتفعت حرارتي بعد سماعي ذلك الخبر المُقلِق ، فغادرتُ المكتب على عجلة من أمري ، وسارعتُ أشغل سيارتي لأنطلق بها بسرعة نحو المدرسة الكائنة في الجهة الأخرى من الحي الذي نسكنه .
.. ما قطَعتُ أكثر من نصف المسافة ودخلتُ مُضطَرَّا ً في طريق ضيِّق للاختصار حتى اضطُرِِرتُ لتخفيف سرعتي وإطلاق مُنَبِّه السيارة وفتح الأضواء العالية وتبديلها ، لعلَّ السيد الذي يقود سيارته أمامي ينتبه ويفسح لي مجالا ً للمرور ، فالطريق بالكاد يتسع لسيارتين ، فكيف وهو يتوسطه ويمشي بسرعة بطيئة جداً ؟؟ كَرَّرتُ المحاولة أكثر من مَرَّة !! دون جدوى !! فالأخ الكريم يتحدَّث على هاتفه النَقَّال ، وكأنه ابن مالك الشارع ، أو قريب لمحافظ المدينة !!

.. تخيَلتُ طفلي يتأوَّه من الألم ، ويبكي مُتَشَوِّقاً للقائي .. وأنا مُتَأخِّر عليه بسبب الأفندي الذي أمامي !! والطفل ما زال في مرحلة رياض الأطفال ، وحديث العهد بأجواء المدرسة بعيداً عن أهله وإخوته ، ومع تخيُّلاتي المتزايدة ازداد الضيق قسوة ، وازددتُ معه حَنقاً وحِقداً على ذلك الرجل غير المُبالي بظروف الناس ، تمنيتُ لو أُمسِكَ بشعره .. بعنقه .. أو أن أقتلع عينيه .. ولكن هيهات .. لا مجال لتجاوزه .. أخيراً قررتُ المغامرة ، خَفَّفتُ من سرعتي استعداداً للضغط على دواسة السرعة وبقوة ، ثم انحرفتُ نحو اليسار ، لأصعد بسيارتي فوق الرصيف المُرتفع أكثر من عشرين من السنتيمترات فوق الشارع العام ، ثم خفَّفتُ من سرعتي بمحاذاة سيارته ، ورشقتُه بنظرات صاروخية تُزلزل الجبال وأمطرتُه بوابلٍ من شتائِم " من كَعب الدَست !! .. ولكن .. ولا عنده خبر !!
المهم.. والحمد لله أنني تجاوزته ووصلت بخير إلى المدرسة ، وما إن دخلتُ الباحة حتى وجدتُ طفلي بين يدي المُشرِِف يلاعبه ويدغدغه بحنان ورِقَّة وعطف ، اندفعتُ نحوهما ، حين أخذ يهدِّئ من روعي ويطمئنني بأن المسألة ما تَعَدَّت " دلعة أطفال " ..

استأذنته وأخذت الطفل للسيارة ، وعدتُ به إلى البيت سالكاً الشارع نفسه الذي أتيتُ منه ، وعند منتصف الطريق ، رَنَّ هاتفي النقال ، كان صديقي الحميم على الطرف الآخر منه ، خَفَّفتُ السرعة للاستمتاع بالحديث مع صديقي على الهاتف .. وبين السؤال والجواب والقيل والقال .. وكيف حالكم .. والأولاد والعائلة .. وشو عامل اليوم .. ولوين رايح بالسهرة .. وبين إعادة سرد ما جرى معي قبل ساعة من لحظة مكالمة مدير المدرسة ، مروراً بمعاناتي مع ذلك السائق البليد على الطريق .. إلى هذه اللحظة التي أتحدث فيها مع صديقي ، كل ذلك كان يجري إلى أن فوجئت بطرقات عنيفة وقوية على زجاج نافذة سيارتي ، نظرتُ إلى الطارق .. يا ويلتاه !! وحشٌ في لبوس ابن آدم ، من عينيه شَرَرٌ حارق يتطاير !! أقفلت الهاتف ، وفتحتُ النافذة ، لأسمع وابلاً من كلمات التأنيب والتهديد والوعيد :
" .. انتَ ما بتخجل يا بيك ؟؟ واقف بسيارتك في وسط الطريق ؟! وتتحدَّث بالهاتف ؟؟ شو ؟ الشارع مِلك أبوك ؟ أو أنك قريب لمحافظ المدينة ؟ يللي ما تستحي يا بلا ذوق !! وأدار بوجهه غاضباً وعاد إلى سيارته المُتوَقِّفَة خلف سيارتي ، تابعتُه بنظراتي الخجولة .. يا إلهي !! ما هذا ؟؟ أكثر من سبع أو ثمان سيارات تقف في الطابور الضيِّق خلف سيارتي !! وكلهم ينتظرون أن أفسح لهم الطريق ، بينما أنا غارق بحديثي على الهاتف دون أن أشعر بأن سيارتي قد تَوَقَّفَت في وسط الشارع " ولا عندي خبر " .. !!

تحَرَّكتُ بسيارتي والخجل يكاد يخنقني ، اتخذتُ أقصى اليمين مُطَأطِئا ً رأسي من شِدَّة الأسف والخوف من ثائر ٍ آخر قد يبرز لي من بين الذين عَبَروا بجانبي وكأنِّي أسمع شتائمهم تُمَزِّق آذاني ، ثم .. ومن دون أن أدري ، اتخذتُ اتجاهي نحو طريق عام وعريض ، لَعَلِّي أجدُ فيه مُتَنَفَّسَا ً لحالة الضيق التي أصابتني قبل قليل ، وأنا في غمرة مراجعاتي لذلك الموقف الكئيب الذي مَرَّ بي وتأنيب ضميري يعذِّبني .. وما هي إلا لحظات حتى فوجئتُ بسيارة من على بعدِ عشرات ٍ قليلة من الأمتار تُقبِلُ مواجَهَةً مع سيارتي وقد فتح قائدها بوجهي أضواءه العالية والمُبهرة !! يا لَهُ من إزعاج واستهتار !! الوقت ما زال قبل الظهيرة .. الدنيا نهار .. ونور الشمس يغطي وجه البسيطة !! فلماذا الضوء العالي والمُبهِر الآن .. يا .. يا قليل الذوق .. أطلقتُها من نافذة سيارتي بصوتٍ صارخ أظنه وصل إلى مسامعه .. ذلك المُستَهتِر بأصول القيادة وسلامة مُستَخدِمي الطرقات العامة !
.. بعد دقيقة واحدة فقط !! .. استوقفني حاجز لدورية مرور متوقفة على الطريق العام .. وبكل أدب ولباقة تقدم مني شرطي المرور مُبتَسِما ً ليسألني مُستَهجِنا ً : أظن الدنيا نهاراً الآن .. والرؤية واضحة .. لو سَمَحت يا سَيِّد أطفِئ الأضواء العالية لسيارتك !! عندئذ ، تمنَّيتُ لو انشقَّت الأرض ,, وابتَلَعَتني ..

غريب !! أنا أفَكِّر بتغيير العالم من حَولي ، ولا أفَكِّر بتغيير نَفسي ؟!!

.. وعلى الخير والمحبة نلتقي في حلقة مُقبِلَة ..

[/size][/size]

اخي المحترم ابو اسامة
اعتقد ان مفاهيم الحياة بدأت بالتغير الى الاسوأ ، لذلك فالمنظم الداخلي في كل انسان يبدو مضطرباً بسبب النشاطات المحيطة بنا والتي هي كما قلت غير منتظمة ، كما ان اختلاف الوعي والثقافة لدى الناس مختلفة ، وهذا ما يبرر الفهم للامور بشكل مختلف ، فما هو جائز بالنسبة لك هو غير مقبول لغيرك وهكذا .
اضافة على ذلك فان تغلغل المادة والوضع الاقتصادي واللهاث الدائم لكسب الرزق يجعل الانسان يفقد توازنه احياناً وهذا اصبح من الامور شبه الطبيعية ، بالاضافة لتربية كل فرد والسلوك الذي كسبه من بيئته ومحيطه .
تحياتي لك ولا تشغل بالك كثير .

هل أغير العالم قبل أن أغير نفسي ؟ ( حلقة 1 ) Icon_flower

أستاذ عماد:

نحن المجتمع و المجتمع نحن

قصة حقيقية تجعلنا نعيد التفكير بما نجمل من افكار قابلة للتطبيق

شكراً أستاذ

هلا أخي أبو هشام ،
قد نتفق على أن النبع الأساس الذي تفيض منه تصرفاتنا تلك يُسمَّى نبع " الأنانية " عندما لا يرى المرء منا إلا نفسه ، وأنه محوَر الوجود ، فتراه يحلل لنفسه ما يحرِّمه على غيره من الناس ..
شكراً جزيلاً لمرورك المُغني دوماً ..

أخي أبو طلال مجد ، المحترم :
كما تفضَّلتَ ، ليتنا نمارس دورياً طقوس العودة إلى الذات لمراجعة مخزوننا من الأفكار والمواقف ، فعندئذ فقط نحقق الإنسانية الموؤدة داخلنا .. تقبل تحياتي أخي أبو طلال ..

الأستاذعماد المحترم:
لو سأل كل فرد منا نفسه ذاك السؤال ( هل أغير العالم قبلا أم أغير نفسي؟ ) لانعدمت الأنانية في داخلنا. ولرأيت مجتمعا فاضلا يفيض إيثارا ومحبة و تضحية. ولكانت الدنيا بألف خير.
شكرا لموضوعاتك الحساسة.
بانتظار المزيد.
تقبل اخترامي.

أستاذ عماد:

رأئع حين نعتمد مبدأ النقد والنقد الذاتي
والأجمل حين نترك أفعالنا تتكلم بصوت أعلى من كلماتنا

تقبل مروري

.. الأخت أم مجد ، الأخت غادة الكاميليا ،
قد يتوقف أكثرنا مراراً عند مرحلة النقد والنقد الذاتي لاختزال مساحات الأنانية في النفس ، وقد يتقدم أغلبنا أشواطاً معقولة من التنفيذ الفعلي على طريق الإنسانية ، ولكن القوة السلبية لدى كل منا لها سطوتها وجبروتها التي سرعان ما تعيدنا إلى المربع الأول أو الثاني من عالَم الأنانية البغيضة .. لنبدأ رحلتنا من جديد .. وهكذا .

جزيل الشكر لمروركما الطيب ،،،

ابو اسامه المحترم
الكل يبحث عن التغير ويتمنى ان يحدث التغير
وتمضى الايام ويبقى الحال على وضعه وممكن يسير الى الاسوء

ولكن فما رايك بالتعايش مع الواقع والتكيف معه

استاذى بس تسوق السياره الجديده لا تشرد بعدين بصير شى لا تحمد عقباه
تقبل تحياتى الحاره

أهليين أبو الفهد الحبيب ، اشتقنا للشاي المعطرة يا رجل !!
تسألني رأيي بالتعايش مع الواقع والتكيف معه ؟ وأقول لكَ جوابي : كيف تتعايش مع كائن آخر دون أن تفهمه أولاً ؟ الواقع هو الوعاء الذي يحتوينا زماناً ومكاناً وأحداثاً متداخلة بين الناس والمخلوقات الأخرى .. لذلك ، فالتعايش والتصالح مع الواقع لأمر ضروري ولكن بعد أن نتفهم هذا الواقع بحقيقته .

والسيارة الجديدة فعلاً مُزعجة لأنها كبيرة بحجمها ( والرجعة لورا بتغلب فيها ) ..

استأنستُ بمرورك أبا الفهد ، سلامي للشباب جميعهم ولنا لقاء قريب معكم إن شاء الله ،،،

هذا هو الضياع الذي يحتوينا بل يشردنا في صحراء الحياة
وهو مراقبة الناس ونقدهم بتهجم لاذع دون ان ننظر الى نفسنا
لقد ذكرتني بموضوع قديم لي كتبته تحت عنوان
لماذا لانضع المرأة على نفسنا قبل مراقبة العالم
كل شخص داخله عالم من الاغلاط و والتاقظات .... وغلطنا الاكبر هو أننا لانعترف بهذا وتتضخم الافكار لدينا بأننا احسن الناس بكل شيئ
وبأن المثالية لاتعرف عالماً لها الا داخلنا
ننسى اننا مثل اقل الناس ولدينا اغلاط ينظرون اليها الناس بغضب ودهشة ويجب أن نراقب نفسنا جيداً لنصلحها قبل توجيه النقد للغير
ولو كل واحد فقط صلح نفسه لتغير العالم واستغينينا عن النقد
ولكن لا... كل واحد منا في صومعته الذاتيه يتعبد نفسه ويظن ان الله اعطاه هو فقط الجاه والعلم والفكر وان غيره لايساوي شيئ

ليتنا نتعلم مراقبة هذه النفس ونواجهها بكل اغلاطها
مثلما نمضي الوقت بمراقبة الغير وهفواتهم
ومن بعدها دون توبيخ نغير الاتجاه ونغير منها
هذا هو العماد بكل افكاره الذاتية والمحترمة و الرائعة
ويسعدني ان التقي بك من جديد على المحبة
تحياتي وتقديري لك

هلا ومرحبا أختنا السيدة خلود ،

أسعدني انضمامك إلى موقعنا الوليد ( هنا السويداء ) والذي نتمنى له بوجودكِ ووجود أمثالك الكرام والكريمات كل النمو والتقدم والإزدهار لما فيه الفائدة والمصلحة للجميع سواء في وطننا الغالي أو في بلاد غربتهم .

حالياً نقوم والأخ فيصل ببذل كل الإمكانيات المادية والإدارية والفنية - مهما بلغَت - لرسم مسار صحيح للموقع على أسس سليمة نتجنب خلالها ثغرات وعوائق قد تقف في وجه نمو وتقدم هذا الموقع الفَتي .

أكرر الشكر والامتنان أيضاً لمرورك الكريم ،،،